بدأ الاتجاه الرومانسي يتشكل في عمان بعد أن انحسر في معظم الدول العربية الأخرى التي سبقت عمان بمراحل فكرية وأدبية عدة . ويعود هذا إلى تأخر عملية النهضة الثقافية في عمان ، وإلى عدم وجود أسباب مباشرة للتأثر بالحركة الرومانسية فيها ، وقد أختلف تأثر شعراء المنطقة بالتيار الرومانسي كل بحسب درجة استعداده للتغيير والتحول ، ودرجة ثقافته وإطلاعه ومقدرته على ذلك النمط أو ذاك اللون من ألوان التعبير والأداء "([1]).
أتيت مع الفجر بسمة ود نضيرة
وعشت مع الفجر قصة حب قصيرة
وودعتنا في ربيع الحياة
بعيد انبلاج الصباح وقبل حلول الظهيرة
وكنت صديق الربيع
وكنت مثال الشباب
ولما رحلت
بكتك الفصول
بكاك الربيع
وأعلن في الأرض أن المروج
بفقد الشباب تصير قفارا
وتغدو يباب
********
بفقدك نعلم كيف الشموع
تعاني لجعل الزوايا منيرة
وكيف الورود
برغم انقضاء الصباح الجميل
تظل لدينا أثيرة
وكيف سأرثيك
إن رحيلك عنا
يفوق قصيد الرثا
ويفوق حدود الدموع الغزيرة ! ([21])
وتختفي في القصيدة النبرة الخطابية المألوفة في قصائد الرثاء ، وتتحول إلى بكائية تتصاعد فيها نبرة الحزن من خلال مجموعة من الصور والألفاظ المعبرة التي تمر خلال ذات الشاعر ونفسيته الحزينة . أن القصيدة بصفة عامة تشير إلى حزنه وتأثره بحادثة الفقد .
ويلمس عبد اللطيف عبد الحليم تأثر ذياب بن صخر العامري بالشعراء الرومانسيين العرب ، فيقول : "ويلمح القارئ ذلك النفس العذب الذي يذكره بشعراء جماعة أبولو وشعراء المهجر، لكن هذا الملمح يذكرك بالموضوعات وبالتناول القريب السهل ، ولا يعتم وجه الشاعر على الإطلاق ، لأنه قد قرأ هؤلاء جميعا أوان الصبا ، وقرت في أعماقه أصداء من تلك القراءات ، لكنها خرجت وقت الإبداع وقد اكتسبت ثوبها الخاص بها " ([22]).
ويبدو شعر هلال العامري في دواوينه "هودج الغربة " و" قطرة عطش" و"الكتابة على جدار الصمت" ، وبعض قصائد ديوانه "الألق الوافد" ، ذا نزعة رومانسية واضحة في تجربته وصيغه ، على الرغم من وجود بعض قصائد تميل إلى الأشكال الشعرية القديمة ، وخاصة في ديوانه الأول "هودج الغربة " الذي صدر عام 1983 ، كما في قصيدته " الأطلال الخوالي " :
فمن لي بعد الضاغنين أنادم
وباتت لنا نار من الشوق تضرم
وداعكمو فرض على يحتم
كأن لم تكن كانت رسوم معالم
رويدك بلغهم سلام مترجم
على أننا نهوى اللقاء فهل هم ([23])
أسائل ومض البرق إذ لاح باسما
لقد رحلوا عنا فبات لنا الجوى
أحباء قلبي حين حان رحيلكم
فأصبحت الأطلال منكم خواليا
وأضحى نسيم الروض يهجر دارنا
وبث لهم بعد التحية شوقنا
وتسيطر صيغ القصيدة التقليدية ومفاهيم الحب الكلاسيكية على القصيدة، وكذلك المفردات القديمة ، نحو " وميض البرق ، الضاغنين ، الجوى ، الأطلال ، خواليا " ، لكن الشاعر في القصيدة التالية "ينام العشق بعينك" ، يبدو رومانسيا خالصا :
فالموج بعينيك روايات
تحكي التاريخ وتحفظه وتعد الأزمان
تشبه عينك البحر برعشتها
ورموشك كالأمواج تسافر في دنيا الأحلام
بلا عنوان
نظراتك تغسل أحزاني كالموج الحافي
يغسل آلاف الشطآن
نام البحر بعينك طويلا
وتلا الليل دواوين العشق
جاءت أمواج الحب بزورقها
تبحث عن عينيك لتبحر فيها
تبحث عن أهدابك تحرسها
لينام العشق بعينيك
ولتلقى الأحزان بعمق البحر ([24])
وفي أبيات القصيدة تأثر لا يخفى بشعر نزار قباني ومفرداته العاطفية المعروفة ، وحديثه عن جمال العيون ، وتشبيهها بالبحر وما يجلبه من مفردات، كالزورق والموج والإبحار .
أما الديوان الثاني "قطرة في زمن العطش " الذي صدر عام 1987 ، فتسيطر عليه التجارب الرومانسية ، وبخاصة تجربة الاغتراب التي تلقي بظلال حزينة على معظم قصائد الديوان ، ومن ذلك قصيدته "ليل الغربة " :
نروح ونغدو على الساقية
ونتبع ظل خطانا
ونحلم ..تشرق أيامنا
ونهوى هوانا
ونرتع في البادية
تدثرنا الباسقات
ونطعم أجسادنا
ونوكب أجسادها الخاوية !
نروح ونغدو نعالج برد الشتاء
نعانق آمالنا
نعاند آلامنا
ويكتب تاريخنا الرواية
رصاص وموت وغربه
ونحن نعيش
نروح ونغدو على الساقيه ([25])
ويبدو أثر الغربة والرحيل واضحا في مفردات الشاعر وإشارته إلى الغربة التي كان يعيشها وإلى أحلامه بالعودة إلى الوطن من خلال تكرار أفعال المضارعة "نروح ، نغدو ، نحلم ، نهوى ، نرتع ، نعانق " ، وإلى الإشارة إلى بعض رموز الوطن التي يفتقدها في غربته " الساقية ، البادية ، الباسقات ".
ويقول د. سعد دعبيس حول رؤية الاغتراب في هذا الديوان : "وفي ديوانه الثاني " قطرة في زمن العطش " نجد تطورا في مضمون الغربة المرتبطة بالحب ، ونلمس في حديثه عن الغربة والرحيل ، قلبا هامسا ، حائرا ممزقا بين عواصف الغربة والرحيل ، قلبا ضارعا يناجي أحبابه بأشواقه الروحية وعذاباته الوجدانية " ([26]).
وفي هذا الديوان يبدي الشاعر تأثره ببعض الشعراء العرب المعاصرين ، فقد قضى هلال العامري جزءا من حياته في خارج عمان ، إما للدراسة وأما للعمل في القاهرة والكويت وأبو ظبي وقد أدى ذلك إلى اطلاعه وتأثره بحركة الشعر العربي الحديث وبمعظم الشعراء العرب .
ومن القصائد الرومانسية التي تتميز بهذا التأثر قصيدة "نزيف قلب ":
قبل غروب الشمس جلست أحدق في الشفق الأحمر
وبذاكرتي أحزان الماضي وخيالي يسبح في اللاشيء
مر شريط الذكرى يعصر ذاتي يحرق ذاتي
حينئذ عانق صدر الكون سراب الماضي
وبدا يعزف لحنا يخترق الروح ويلهب وجداني
ويحرك في صدري آهات الماضي
وبدا قرص الشمس كنقطة دم قد نزفت من قلب الماضي
وبدا وهيج النقطة يعصر ذاتي يحرق ذاتي
يمسح من ذاكرتي آلام الماضي أحزان الماضي([27])
ويربط الشاعر لحظة تذكره لأحداث حياته الماضية بوقت الغروب عند الأصيل ، ويثير هذا الجو الرومانسي ما تستدعيه الأحاسيس والمشاعر الكامنة من تدفق وحضور يعبر عنه الشاعر من خلال مجموعة من المفردات والألفاظ الرومانسية ، ويكرس الشاعر حضور الماضي بكل معانيه ومعاناته ، وذلك من خلال تكرار لفظة الماضي مرتبطة بشكل من أشكال المعاناة التي مر بها الشاعر " أحزان الماضي ، سراب الماضي ، آهات الماضي ، قلب الماضي، آلام الماضي " . وفي الأبيات حركة " درامية واضحة " ، تبدأ من تحديد اللحظة الحاضرة إلى ذكريات الماضي ، كأنها "استرجاع " ، وفيها مزج موفق بين الشعور الداخلي ومشهد الغروب وصور مجازية مبتكرة لعل أجملها قوله : "وبدا قرص الشمس كنقطة دم قد نزفت من قلب الماضي " .
ويبدو هلال العامري في ديوانه الثالث "الكتابة على جدار الصمت " أكثر تمكنا في كتابة القصيدة الرومانسية ، كما يمزج بعضا من قصائده بالرؤية الواقعية ، وتسيطر على هذا الديوان بوجه عام ، قصائد الغربة والرحيل ومختلف صور القهر الاجتماعي .