الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
نص الحديث :-
عن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة " متفق عليه
المسائل الحديثية:-
1- الحديث متفق عليه والحديث صحيح فلا أشكال في صحته.
2- اختلف الرواه في هذا الحديث فروى الحديث ابن عمر كما سبق بلفظ سبعه وعشرين درجه وروى ابو هريره كما في الصحيحين الحديث بلفظ خمس وعشرين جزأ وروى البخاري عن ابي سعيد بلفظ خمس وعشرين درجه وقد اختلف اهل العلم في موقفهم من هذه الروايات هل يجمعون بينها أو يرجحون بعضها على بعض والأقرب والعلم عند الله طريقة الجمع لإن الألفاظ رويت بأسانيد غاية في الصحة , والجمع بين ألفاظها إذا أمكن أولى من الترجيح .
وطريقة الجمع بينهما أن درجة ثواب صلاة الجماعة ليس على مرتبة واحدة .. فكلما زاد عدد الجماعة زادت درجة التفضيل فالجماعة إذا كانوا مائة مصلِ _ مثلاً _ أفضل من الجماعة إذا كانوا عشرة كما ثبت ذلك في سنن أبي داود في قوله _ صلى الله عليه وسلم _ ( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده , وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل , وما زاد فهو أحب إلى الله تعالى ) والحديث صحيح .
فإذاً .. بعض صلاة الجماعة تكون أفضل بسبع وعشرين وبعضها أفضل بخمسة وعشرين بحسب أفضلية الجماعة التي يصلي معهم .
المسائل اللغويه:-
صلاة الجماعة :- الجماعة ما كان اثنين فصاعداً , والمراد هنا جماعة المسجد فقد جاء هذا الحديث عند البخاري بلفظ " وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء , ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة , لم يخطُ خطوة إلا رُفعت له بها درجة . وحطّ عنه بها خطيئة " , فقوله ( وذلك ) هي جملة تعليلية لبيان سبب المضاعفة .
الفذ:- الفرد , وهذا يدل على أن الاثنين فصاعداً جماعة .
درجه:- هي المرتبة أو المنزلة , والمراد بها هنا " الضعف " أي سبعاً وعشرين أو خمساً وعشرين ضعفاً كما في لفظ البخاري " خمساً وعشرين ضعفاً " , ويشهد لذلك أن أحد السلف فاتته الصلاة فصلى في بيته الفريضة وسبعاً وعشرين نافلة , ثم نام فرأى في المنام أنه يركض خلف أناس قد سبقوه وقد تعب في السير , فقال له قائل لا تتعنّ فإنك لن تدركهم .
المسائل الفقهيه:-
المسألة الأولى :
( حكم صلاه الجماعه للرجال )
اختلف اهل العلم على اقوال ثلاثة هي باختصار :
القول الأول : انها فرض على الاعيان وهذا مذهب الامام الأوزاعي والمشهور في مذهب الامام أحمدوقال به بعض الحنفية وكثير من السلف .
واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة نذكر منها دليلين من القرآن ودليلين من السنة :
أ - من القران : قوله تعالى في آية الخوف في سورة النساء : ( وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ ... ) الآية , فإذا كنا مأمورين بصلاة الجماعة في حال الخوف فكيف في حال الأمن ؟!.
ب - قوله تعالى في سورة البقرة : ( وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ )
فالأمر بالركوع جاء مع الراكعين , وهذا أمر بالجماعة .
ج - من السنه : في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لقد هممت أن آمر بالصلاه فتقام ثم أخالف إلى منازل قوم لايشهدون الصلاه فأحرق عليهم بيوتهم "
د - في صحيح مسلم , أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يارسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد . فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخّص له فلما ولّى دعاه فقال " هل تسمع النداء بالصلاة " . فقال نعم . قال " فأجب " .
فإذا لم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم للأعمى فغيره من باب أولى .
القول الثاني: أن صلاة الجماعة سنه إلى هذا ذهب المالكيه وكثير من متأخري الشافعيه.
واستدلوا على ذلك بحديث الباب , حديث صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة , فقالوا لو كان يأثم لما قال ( أفضل ) لإن كلمة ( أفضل ) تدل على وجود الفضل في الصلاتين ( صلاة الجماعة , وصلاة الفذ ) , كقولنا :
مكة أفضل من المدينة , وأبو بكر أفضل من عمر , وعائشة أفضل من صفية , فلازم ذلك أن للمدينة وعمر وصفية فضل أيضاً , فكذلك صلاة الفذ , وما كان فيه فضل فلا يصلح أن يقال إن فاعله آثم .
والجواب أن هذا ليس صحيح , بل قد تأتي ( أفعل التفضيل ) وليس في الطرف الآخر شيء من الفضل مطلقاً , ومثال ذلك :
قوله تعالى : ( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً )
فالطرفان اللذان بينهما مفاضلة هنا هما الجنة والنار , والنار ليس فيها خير مطلقا , ومع هذا جاءت الآية بصيغة التفضيل ( خير , أحسن ) فدل ذلك على أن فعل التفضيل لا يلزم منه وجود فضل في الطرفين الفاضل والمفضول , فكذلك في الحديث لا يلزم من صيغة التفضيل وجود فضل في صلاة الفذ .
القول الثالث: صلاه الجماعه فرض على الكفايه لا على الأعيان ( هذا هو المشهور من مذهب الشافعي ) .
ودليلهم الجمع بين أدلة القول الأول والثاني .
والراجح هو القول الأول لصحة أدلته وصراحتها .