تعددت الآراء واختلف المشارب في تعريف مصطلح "الغذاء الصحي" ونوعيته وكميته فيقول حرصاً منا على اجلاء الحقائق المتعلقة لهذا الشأن الحيوي قمنا باستطلاع بعض آراء عدد من الأطباء المتخصصين في مجال الغذاء الصحي د. محمد العربي استشاري الباطنة بمستشفى الأطباء المتحدون بالمملكة العربية السعودية يقول: قبل أن أتحدث عن الاطعمةالصحية يجب أن أوضح جانباً هاماً في سلوكيات الفرد الغذائية، فالأكل يجب أن يحتوي على كل المواصفات المطلوبة والعناصر اللازمة من الفيتامينات والمعادن والألياف، ويجب أن يكون الغذاء متوافراً بكميات تكفي حاجة الجسم وأن يكون ذا قيمة غذائية مناسبة للصحة، فالكيف وحده لا يكفي، ولكن يجب أن نبحث عن الكم الذي يكفي حاجات الجسم، ويجب أن يكون صحياً غير ملوث كي لا يسبب أي خطر للإنسان، فسلامة الغذاء أو صحة الغذاء وكفايته عاملان أساسيان لتوفير التغذية الجيدة، وتعتبر سلامة الغذاء جزءاً لا ينفصل عن الرعاية الصحية. أما الأكل الصحي فهو بلاشك الذي لا يحتوي على الدهون المشبعة التي تعتبر ألدّ أعداء صحة الإنسان. فأطعمتنا عادة ما تحتوي على الدهون والمواد الدسمة حيث تكون نسبة المواد الدهنية المشبعة أعلى من نسبة المواد غير المشبعة التي تخفض نسبة الكوليسترول بالدم وبذلك تساعد على منع أمراض القلب. الأكل الصحي: إلى ذلك يتناول د. محمد سالم الحضرامي أستاذ أمراض الباطنة بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة جانباً آخر فيقول: الأكل الصحي هو الذي يتم إعداده جيداً في البيت، لأننا بذلك نضمن سلامته من التلوث وما شابه ذلك، والأكل الصحي هو الذي يحتوي على كل العناصر المطلوبة والتي تمد الجسم بالطاقة، ولكننا مع تغيرات العصر والتوسع العمراني ركزنا على الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون والملح والسكر فازدادت الأمراض في مجتمعاتنا العربية وخصوصاً مع انتشار الوجبات السريعة، كما لا ننسى إهمال الكثير منا جانب الألياف الغذائية التي تلعب دوراً هاماً في الوقاية من الأمراض وإعطاء الجسم التوازن المطلوب، فمعروف علمياً أن احتواء الوجبة الغذائية على نسبة عالية من الألياف له أثر في تنظيم وظيفة الأمعاء وحركتها مما يترتب عليه سرعة التخلص من فضلات الجسم وقلة مدة نواتج فضلات الغذاء داخل الأمعاء، كذلك فإن قدرة الألياف الطبيعية على امتصاص قدر كبير من الماء تعطي قواماً طرياً لفضلات الغذاء مما يسهل التخلص منها دون حدوث حالات الإمساك. لذا يجب أن نؤمن أننا نتناول الطعام كيفما اتفق وبعضه غير صحي ولكن الحقيقة هي أن سلامة الغذاء وكفايته تحميان الجسم من الأمراض. وديننا الحنيف يحثنا على الاهتمام بالأكل الصحي الذي لا يرهق المعدة. سلوكيات غذائية: أما د. خالد أبو سعدة استشاري أمراض الباطنة فيرى أن: جميع الأطعمة التي تعد بشكل جيد يمكن اعتبارها أطعمة صحية، فالغذاء الكامل يعني قدرة جيدة من الجسم على مقاومة أي متاعب صحية. والمخاوف الحقيقية ربما تتمثل في سلوكياتنا الغذائية الخاطئة، فكثيراً ما نستهلك يومياً الأطعمة التي تحتوي على دهون وشحوم وسعرات وكوليسترول دون الانتباه للأخطار التي تنجم عن ذلك، وللإسلام نظرة في الطعام والمرض حيث يرى أن الأمراض البدنية ترجع في أغلبها إلى نوعية الطعام الذي يتناوله الإنسان وكيفية إعداد هذا الطعام ووقت تناوله، ولذلك نجد القرآن الكريم والسنة النبوية يهتمان بأمر الطعام ويحذران من الإسراف في تناوله والإكثار منه حتى لا يتخم الإنسان معدته.ويوضح ابن قيم الجوزية أثر الطعام على جسم الإنسان فيقول: «الأمراض نوعان: أمراض مادية تكون عن زيادة مادة أفرطت في البدن حتى أضرت بأفعاله الطبيعية وهي أمراض الأكثرية، وسببها إدخال الطعام على البدن قبل هضم الأول، والزيادة في القدر الذي يحتاج إليه البدن، وتناول الأغذية قليلة النفع البطيئة الهضم، والإكثار من الأغذية المختلفة التراكيب المتنوعة، فإذا ملأ الآدمي بطنه من هذه الأغذية واعتاد ذلك أورثته أمراضاً متنوعة منها بطيء الزوال، ومنها سريعه، فإذا توسط في الغذاء وتناول قدر الحاجة وكان معتدلاً في كميته وكيفيته كان انتفاع البدن أكثر من انتفاعه بالغذاء الكثير». فالغذاء الصحي كنموذج مثالي يكمن في طبق السمك والخضراوات والحبوب، وبالطبع الفواكه التي تعتبر مصدراً هاماً للفيتامينات التي يحتاج إليها الجسم وهي جزء هام من الغذاء المتكامل. تجنب الأمراض: ويؤكد د. ليث أحمد ميمش استشاري القلب والباطنة بجدة: العلاقة وثيقة بين الأكل الصحي وبين تجنب حدوث الأمراض وخصوصاً أمراض القلب، وتشير الدلائل الطبية إلى أن الخضراوات تمنع الأكسدة وتحمي الشرايين من التصلب، أما الإفراط في الأطعمة المشبعة بالدهون فيسبب زيادة الكوليسترول السيئ الذي يترسب مثل الصدأ أو الطين على بطانة الأوعية الدموية فيقلل مرور الدم فيها، وقد يسدها كلياً مما فيتسبب عنه مشكلات صحية مثل الذبحة الصدرية وجلطات القلب وانسداد الأوعية الدموية. فالإفراط في تناول الطعام وتناول الأطعمة الدسمة وعدم ممارسة الرياضة كلها من الأسباب التي تسيء إلى صحة الإنسان، ومن أجل تخفيض احتمال الإصابة بالأمراض لابد للفرد أن يعمل جهد طاقته على التقليل من الأطعمة الدسمة، فالدسم المشبع في اللحوم كثيرة الشحوم ومنتجات الألبان كاملة الدسم كالزبد والسمن الحيواني كلها أطعمة بلا شك تساهم في رفع الكوليسترول في الدم الذي يحدث ببطء ودون أن يبدي أي أعراض ويستمر تراكمه مع الأيام. وخير نصيحة هي تنويع مصادر الغذاء حتى يكون طعامنا صحياً ويمد الجسم بالطاقة المطلوبة. تنوع المصادر: بينما يرى د. رمزي أمين استشاري أمراض السكر والباطنة:كثيراما توصي النصائح الطبية كثيراً ماتوصي بضرورة تناول الأكل الصحي الذي يتمثل في تناول الحبوب والخضراوات واللحوم البيضاء والأطعمة النباتية والابتعاد عن تلك الأطعمة التي تحتوي على البروتين الحيواني والسكر. وفي الغرب يرى الأطباء أن الأكل الصحي هو الذي يحتوي على 60% من الحبوب الكاملة و25% من الخضراوات و10% من الفاصوليا و5% من الخضراوات البحرية، باعتبار هذا الأكل نظاماً غذائياً صحياً ولكنه يحرم الجسم من عناصر ضرورية تمده بالطاقة، فالأكل الصحي في مفهومه الطبي هو الذي يشمل كل العناصر الضرورية التي لا تؤثر على صحة الإنسان ولا تؤدي إلى الأمراض، فتنويع المصادر الغذائية مطلوب، كما أشير إلى أن الأكل الصحي هو الذي يعدّ في المنزل والمطعم بطريقة سليمة وفي ظروف صحية بعيدة عن مصادر التلوث، ولا يترتب على ذلك حدوث حالات التسمم الغذائي. وأخيراً يرى الدكتور عبد الرحمن مصيقر: بالغذاء الصحي وبكل بساطة يعني أن هذا الغذاء يوفر جميع الاحتياجات الغذائية للفرد إلى جانب خلوّه من الميكروبات والمواد الكيميائية الضارة، بالإضافة إلى أنه يساعد على الوقاية من الأمراض المرتبطة بالغذاء. وقد حاولت العديد من الدول أن تربط الغذاء بالأمراض وكان هناك نوع من الاتفاق على أن غذاء دول البحر الأبيض المتوسط هو الغذاء المثالي، وذلك لاحتوائه على نسبة عالية من الحبوب والخضراوات والفواكه والبقول والقليل من الألبان واللحوم والاعتماد على زيت الزيتون في الطبخ وتحضير الطعام. وقد يظن البعض أن هذا هو غذاء أهل الشام مثل لبـنان والأردن وفلسطين وكذلك تونس ولكن هذا الغذاء هو أكثر تطبيقاً في جنوب إيطاليا واليونان وقبرص. أما الدول العربية المطلة على البحـر الأبيض المتوسـط فقـد طـرأت عليهـا تغييرات كبيرة فـي عـاداتها الغذائية وأصبحت اللحوم من الأغذية الأساسية في الوجبات اليومية، كما أن تناول الحلويات والسكريات الغنية بالدهون يعتبر من أهم عادات هذه الشعوب، ونجد أن هناك مطاعم عديدة تقدم هذه الأطعمة مثل البقلاوة والكنافة والشعيرية وغيرها. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يجب أن نقلد الدول الشرق أوسطية في غذائها لكي نحصل على الغذاء الصحي؟ الجواب طبعاً لا، فنحن نستطيع بأغذيتنا الاعتيادية أن نكوّن لنا غذاء صحياً. والمهم هو أساس الغذاء الصحي: قليل الدهون، قليل اللحوم، قليل الألبان كاملة الدسم، كثير الحبوب والبقول والخضراوات والفواكه. وإذا وضعنا هذه الأسس أمام أعيننا، فإننا لا نحتاج إلى تقليد الآخرين في طعامهم. وهناك عامل آخر هو أن الغذاء يمثل جزءاً من عاداتنا وقيمنا ولا نستطيع أن نتخلى عن بعض الأغذية حتى لو كانت عالية الدهون. إذاً التوازن والتقليل من هذه الأغذية أمران مهمان. والجانب الآخر هو أن الغذاء يمثل أحد العوامل المرتبطة بالأمراض المزمنة ويجب مراعاة العوامل الأخرى، فلنفرض أنك تأكل غذاءً متوازناً ولكنك تدخن ولا تمارس الرياضة، فإن هذا الغذاء لن يكون كافياً لحمايتك من الأمراض المزمنة. الخلاصة هي أن أي مجتمع يستطيع أن يُكوّن غذاء صحياً من وجباته وأغذيته المحلية، والعنصر الأساس هو الوعي الصحي والغذائي. فكلما كان الشخص واعياً بكيفية إعداد الغذاء المتوازن وتناوله بالإضافة إلى تجنب العوامل المساعدة على حدوث الأمراض، كانت صحته أفضل سواء تناول طعاماً شرق أوسطياً أو خليجياً أو غيرهما.